||يا نصـــــيب||
قصــة قصـــيرة للأديبة الأستاذة رابعة مصطفى المومني
كانت عقارب الساعة تشير الى الثالثة حين وصل بيته......دخل إلى غرفته وارتمى على السرير تعِبا...كانت الأفكار تعاوده كما كانت وأقوى ، وبحركة لا إرادية قام وأقفل الباب بالمفتاح ، وكأنه لا يريد أن يسمع صوت أفكاره أحد , دس يده في جيبه وأخرج شيئا , كان ذلك الشيء ورقة صغيرة مربعة عليها أرقام خيالية ، كانت بالنسبة اليه أملا في الغد الوارف , تمعن فيها بشدة وتنهد تنهيدة عميقة ، أخرج بها من خلجات صدره كل معاني اليأس والرجاء
كان يرجو الله بأن يصيب سهمه الذي أخطأ طوال حياته ، وتربح هذه الورقة .........هذه الورقة فقط
سأدعو الله ليلا ونهارا لأكسب هذا الحظ ، فشيطان النحس يلازمني منذ سنين ، وسوء الطالع يقبع في زاوية بيتي منذ زمن ، فلا أزال أذكر تلك القارئة التي طلبت أمي منها أن تكشف عن حظي ، فاستقرأت كفّي ، وصمتت قليلا ، ثم قالت لأمي حديثا هامسا سمعت أذياله :سيعيش هذا التعس في همٍّ طوال حياته , لكن إيماني بكذبها جعل عندي أملا في المستقبل... والآن تحقق ما تمنته لي تلك الشيطان
يا رب ...فقط هذه الورقة
أحس بأنه متهالك على السرير لا يقوى على تبديل ثيابه ... ماذا يفعل والدائنون كل هنيهة يقرعون الباب ، ويصرخون بوجهه كطفل غر لفته داومة الزمن ، وتقبع بكساء اللوعة والحرمان
أحس بيد الباب تُفتح ، نفض رأسه كمن يريد أن يطرد أفكاره ، وقام بتثاقل وفتح الباب
أعطاك الله العافية يا أبا محمد .... كيف العمل اليوم؟
لم يشأ أن يفتح فاه ، فأوما برأسه إشارة شكر وحمد
هيا.... بدِّلْ ثيابك وتهيأ للغداء .... وقامت تحضره
حامت في رأسها آخر كلمه قالتها.... الغداء .... الغداء ...هه , وماذا سيكون لم يسألها ما هو لأنه يعرفه جيدا ... "يا رب افرج لي هذه المرة واعطف على العيلة الصغار".
بدل ثيابه ، ولبس جلبابا بنيا واسعا أدار ياقته الى الوراء دون أن ينتبه , لحق بزوجته مقطب الجبين عاقدَهُ ، وحين رأته في هذا المنظر ، كاد أن يغمى عليها من الضحك ، وهو أمامها كالأبله لا يعرف على ماذا تضحك حاولت ان تتكلم وقطعت قهقهتها
أبو محمد ... ماذا جرى لك هل أدرت رأسك الى الوراء ؟؟؟؟ ... واستمرت في الضحك البريء ، لكنها صمتت صمتا شديدا أمام عاصفة نظراته الحادة التي سلطها عليها كسيف على جيدها ... لا يحب الضحك دون حياة منعمه منمقة ، وعلى ماذا يضحك ؟؟؟؟؟ جلس الى المائدة وشرع يأكل : بسم الله ... سلم الله يديك يا أم محمد ... لم تجبه وبقيت تراقبه وتتذكر تلك النظرة الحادة وحاولت أن تستفسر عنها دون سؤال , وفوق ذلك هي تعلم أن الطعام هذا لا يعجبه ، ولكنه أراد أن يماري ليشد على يد هذه الزوجة المسكينة التي تزوجت من هذا الفقير التعس.
أكل قليلا وحمدل ، ثم ذهب ليرتاح من عناء العمل الذي يكرهه كما يكره ورقة اليانصيب التي تخسر, فقد كان يشعر في نفسه قيمة أكبر من هذه الوظيفة ، فهو موظف حكومي يعيش بين الاوراق والمستندات ويتعب ، لكن جزاءه قليل لا يفي بجزء من مصروف البيت.... لولا هذه الزوجة الصابرة التي تخيط القماش ، وتساعد في لوازم البيت ....... والأولاد لا يرحمون يجب أن تجاب كل مطالبهم ، وكذلك المدرسون لا يعلمون بحالنا
آه لا تخيّب أملي يا الله في هذه الورقة فقط
وفي دوامة أفكاره التي أثقلت دماغه سقط رأسه على صدره دون أن يشعر، ونام نوما مضطربا قضاه بأحلام مزعجة ... والحلم جزء من الواقع يتصل به في عالم روحاني وأجفل من حلم شيطاني دب فيه الذعر وأقلقه طوال يومه ... فقد رأى أفعى كبيرة تلتف حول عنقه ولا تبرح عنه ، ولا أحد ينقذه منها ..... استعاذ بالله من الشيطان الرجيم , وقام عن سريره وراح يسلي نفسه بقراءة المجلات , ولكن دون جدوى , فقد حوَّلهُ الهم إلى إنسان عصبي غير صبور.... أدار ياقة جلبابه وخرج ، فوجد زوجته في المطبخ وصراخ الأولاد يكاد يفقده عقله , بدأ لتوه يصرخ في وجهها
لماذا لم تحضري لي القهوه ؟؟؟؟ ألم ترِني حين صحوت ؟؟؟ ولماذا لم تغسلي لي قميصي؟؟؟ .....لماذا؟؟؟ ....لماذا؟؟؟
ثارت ثائرته عليها لكنها بقيت صامته ولم تجبه ، كان في صمتها بلاغة جعلته يرجع عن ثورته ، واشعرته بخجل من نفسه ، ومنها تراجع عن أقواله شيئا فشيئا وبدأ يتكلم بصوت منخفض كمن يريد أن يعتذر بالاسلوب لا بالكلمات
جلس على الكرسي ينتظر القهوه ، ولم يطل انتظاره ... جاءت تحملها يدان كَلّتا من هذا العالم التائه ... وناولته القهوة ... وجلست بصمت وديع , قهره صمتها وجعله يشعر بأنه صغير جاهل أمامها ... وكلمات الدنيا كلها تعجز أمام نظراتها العابثة ....لا يحب أن يضايقها لكن همومه جعلته يُغضِب حتى أعز الناس على قلبه..... ارتشف شيئا من القهوه , وبدأ بلهجه عاديه يتكلم عن العمل , الزملاء ..... وقاطعته زوجته من هذا الحديث الممل : اشتريت ورقة يانصيب اليوم؟!... ولم تعطه فرصه للإجابة وتابعت : اتقِ الله في نفسك وفينا يا رجل واترك هذا الأمر، فإنه كالسم يجري في العروق فاتكل على الله ولا تتواكل وتجلس تنتظر هذه الورقه ، وكأنّ مصيرك معلق بها ، وحين تخسر تجلس تندب حظك العاثر , ويشهد الله إنك حين تحضر ورقة أدعو الله من كل
قلبي ألا تربح ، وماذا سنفعل بها لو ربحت ؟؟؟
هل نأكل منها طعاما يسري في أجسادنا كالنار تحرقنا ؟؟؟ لا والله ما نحن بفاعلين يجب أن تعلم شيئا : لا أمل لا أمل
أشاح بوجهه عنها فقد مل سماع هذه القصة ، ولكنه لم يتكلم ، لأنه يعلم أنها على حق وهو يكابر ويحابي مع نفسه ، ومع ذلك فهو مرتاح لبريق الأمل الذي يشع من هذه الورقه ويعمي بصيرته عن الحقيقة
مرت الأيام به ثقيلة مُرة إلى أن جاء موعد السحب على الأوراق الرابحة ... ذهب متحمسا الى بيت صديقه وزميله في العمل " أبي علي " الذي أدمن هذه العادة ، وجلسا معا يحتسيان القهوة ، وينتظران ميعاد السحب وبدأت الأرقام أمامهما كعقارب تأكل لبهما ، وتسرق عقلهما ، وكلما دار الدولاب دار رأسهما ، ودارت بهما الدنيا وبدءا بالهذيان
هذا يشبه رقمي ... أف يا خسارة لو كان الرقم الأول خمسة لفزت بها ... عليهم اللعنة ألم يقدروا أن يغيروا الرقم الاخير ... و... و
وانتهى السحب دون أن يسفر عن شيء لكليهما ... رجعت التعاسة ترسم تجعيداتها على وجهيهما ، وخرج أبو محمد من البيت كئيبا يائسا كأنما أكل الدهر منه ونال ، وكأن عمره قد زاد خمس سنين أخرى... وبدأ يندب حظه ويلعن اليوم الذي تعرف فيه على
" أبي علي " وعلمه هذه العادة ... مشى في الشارع بخطى متعثرة ، أحس بأنه بين ذئاب تنهش لحمه تنكب عليه وتقهقه عاليا وتسخر منه .... كره الدنيا ومن فيها ، وأزعجه خاطر لم يحسب له حسابا وهو كيف سيواجه زوجته ؟؟؟ لابد وانها تابعت السحب ، وقد هرب من وجهها لئلا يشعر بالهزيمة أمامها
استدار الى الشارع الشرقي وفي نهايته تجمد أمام صوت اخترق آذانه وانغرز في قلبه كرها ... إنه صوت الصغير .... ذلك الصوت الذي كان يسمعه منذ خمس سنين
يــــــــــــانصيب.... يــــــــــــانصيب.... يـــــــانصيب
ودون أن يشعر دسّ يده في جيبه ، وأخرج دينارا وقال : أعطِني واحدة من فضلك
كان يرجو الله بأن يصيب سهمه الذي أخطأ طوال حياته ، وتربح هذه الورقة .........هذه الورقة فقط
سأدعو الله ليلا ونهارا لأكسب هذا الحظ ، فشيطان النحس يلازمني منذ سنين ، وسوء الطالع يقبع في زاوية بيتي منذ زمن ، فلا أزال أذكر تلك القارئة التي طلبت أمي منها أن تكشف عن حظي ، فاستقرأت كفّي ، وصمتت قليلا ، ثم قالت لأمي حديثا هامسا سمعت أذياله :سيعيش هذا التعس في همٍّ طوال حياته , لكن إيماني بكذبها جعل عندي أملا في المستقبل... والآن تحقق ما تمنته لي تلك الشيطان
يا رب ...فقط هذه الورقة
أحس بأنه متهالك على السرير لا يقوى على تبديل ثيابه ... ماذا يفعل والدائنون كل هنيهة يقرعون الباب ، ويصرخون بوجهه كطفل غر لفته داومة الزمن ، وتقبع بكساء اللوعة والحرمان
أحس بيد الباب تُفتح ، نفض رأسه كمن يريد أن يطرد أفكاره ، وقام بتثاقل وفتح الباب
أعطاك الله العافية يا أبا محمد .... كيف العمل اليوم؟
لم يشأ أن يفتح فاه ، فأوما برأسه إشارة شكر وحمد
هيا.... بدِّلْ ثيابك وتهيأ للغداء .... وقامت تحضره
حامت في رأسها آخر كلمه قالتها.... الغداء .... الغداء ...هه , وماذا سيكون لم يسألها ما هو لأنه يعرفه جيدا ... "يا رب افرج لي هذه المرة واعطف على العيلة الصغار".
بدل ثيابه ، ولبس جلبابا بنيا واسعا أدار ياقته الى الوراء دون أن ينتبه , لحق بزوجته مقطب الجبين عاقدَهُ ، وحين رأته في هذا المنظر ، كاد أن يغمى عليها من الضحك ، وهو أمامها كالأبله لا يعرف على ماذا تضحك حاولت ان تتكلم وقطعت قهقهتها
أبو محمد ... ماذا جرى لك هل أدرت رأسك الى الوراء ؟؟؟؟ ... واستمرت في الضحك البريء ، لكنها صمتت صمتا شديدا أمام عاصفة نظراته الحادة التي سلطها عليها كسيف على جيدها ... لا يحب الضحك دون حياة منعمه منمقة ، وعلى ماذا يضحك ؟؟؟؟؟ جلس الى المائدة وشرع يأكل : بسم الله ... سلم الله يديك يا أم محمد ... لم تجبه وبقيت تراقبه وتتذكر تلك النظرة الحادة وحاولت أن تستفسر عنها دون سؤال , وفوق ذلك هي تعلم أن الطعام هذا لا يعجبه ، ولكنه أراد أن يماري ليشد على يد هذه الزوجة المسكينة التي تزوجت من هذا الفقير التعس.
أكل قليلا وحمدل ، ثم ذهب ليرتاح من عناء العمل الذي يكرهه كما يكره ورقة اليانصيب التي تخسر, فقد كان يشعر في نفسه قيمة أكبر من هذه الوظيفة ، فهو موظف حكومي يعيش بين الاوراق والمستندات ويتعب ، لكن جزاءه قليل لا يفي بجزء من مصروف البيت.... لولا هذه الزوجة الصابرة التي تخيط القماش ، وتساعد في لوازم البيت ....... والأولاد لا يرحمون يجب أن تجاب كل مطالبهم ، وكذلك المدرسون لا يعلمون بحالنا
آه لا تخيّب أملي يا الله في هذه الورقة فقط
وفي دوامة أفكاره التي أثقلت دماغه سقط رأسه على صدره دون أن يشعر، ونام نوما مضطربا قضاه بأحلام مزعجة ... والحلم جزء من الواقع يتصل به في عالم روحاني وأجفل من حلم شيطاني دب فيه الذعر وأقلقه طوال يومه ... فقد رأى أفعى كبيرة تلتف حول عنقه ولا تبرح عنه ، ولا أحد ينقذه منها ..... استعاذ بالله من الشيطان الرجيم , وقام عن سريره وراح يسلي نفسه بقراءة المجلات , ولكن دون جدوى , فقد حوَّلهُ الهم إلى إنسان عصبي غير صبور.... أدار ياقة جلبابه وخرج ، فوجد زوجته في المطبخ وصراخ الأولاد يكاد يفقده عقله , بدأ لتوه يصرخ في وجهها
لماذا لم تحضري لي القهوه ؟؟؟؟ ألم ترِني حين صحوت ؟؟؟ ولماذا لم تغسلي لي قميصي؟؟؟ .....لماذا؟؟؟ ....لماذا؟؟؟
ثارت ثائرته عليها لكنها بقيت صامته ولم تجبه ، كان في صمتها بلاغة جعلته يرجع عن ثورته ، واشعرته بخجل من نفسه ، ومنها تراجع عن أقواله شيئا فشيئا وبدأ يتكلم بصوت منخفض كمن يريد أن يعتذر بالاسلوب لا بالكلمات
جلس على الكرسي ينتظر القهوه ، ولم يطل انتظاره ... جاءت تحملها يدان كَلّتا من هذا العالم التائه ... وناولته القهوة ... وجلست بصمت وديع , قهره صمتها وجعله يشعر بأنه صغير جاهل أمامها ... وكلمات الدنيا كلها تعجز أمام نظراتها العابثة ....لا يحب أن يضايقها لكن همومه جعلته يُغضِب حتى أعز الناس على قلبه..... ارتشف شيئا من القهوه , وبدأ بلهجه عاديه يتكلم عن العمل , الزملاء ..... وقاطعته زوجته من هذا الحديث الممل : اشتريت ورقة يانصيب اليوم؟!... ولم تعطه فرصه للإجابة وتابعت : اتقِ الله في نفسك وفينا يا رجل واترك هذا الأمر، فإنه كالسم يجري في العروق فاتكل على الله ولا تتواكل وتجلس تنتظر هذه الورقه ، وكأنّ مصيرك معلق بها ، وحين تخسر تجلس تندب حظك العاثر , ويشهد الله إنك حين تحضر ورقة أدعو الله من كل
قلبي ألا تربح ، وماذا سنفعل بها لو ربحت ؟؟؟
هل نأكل منها طعاما يسري في أجسادنا كالنار تحرقنا ؟؟؟ لا والله ما نحن بفاعلين يجب أن تعلم شيئا : لا أمل لا أمل
أشاح بوجهه عنها فقد مل سماع هذه القصة ، ولكنه لم يتكلم ، لأنه يعلم أنها على حق وهو يكابر ويحابي مع نفسه ، ومع ذلك فهو مرتاح لبريق الأمل الذي يشع من هذه الورقه ويعمي بصيرته عن الحقيقة
مرت الأيام به ثقيلة مُرة إلى أن جاء موعد السحب على الأوراق الرابحة ... ذهب متحمسا الى بيت صديقه وزميله في العمل " أبي علي " الذي أدمن هذه العادة ، وجلسا معا يحتسيان القهوة ، وينتظران ميعاد السحب وبدأت الأرقام أمامهما كعقارب تأكل لبهما ، وتسرق عقلهما ، وكلما دار الدولاب دار رأسهما ، ودارت بهما الدنيا وبدءا بالهذيان
هذا يشبه رقمي ... أف يا خسارة لو كان الرقم الأول خمسة لفزت بها ... عليهم اللعنة ألم يقدروا أن يغيروا الرقم الاخير ... و... و
وانتهى السحب دون أن يسفر عن شيء لكليهما ... رجعت التعاسة ترسم تجعيداتها على وجهيهما ، وخرج أبو محمد من البيت كئيبا يائسا كأنما أكل الدهر منه ونال ، وكأن عمره قد زاد خمس سنين أخرى... وبدأ يندب حظه ويلعن اليوم الذي تعرف فيه على
" أبي علي " وعلمه هذه العادة ... مشى في الشارع بخطى متعثرة ، أحس بأنه بين ذئاب تنهش لحمه تنكب عليه وتقهقه عاليا وتسخر منه .... كره الدنيا ومن فيها ، وأزعجه خاطر لم يحسب له حسابا وهو كيف سيواجه زوجته ؟؟؟ لابد وانها تابعت السحب ، وقد هرب من وجهها لئلا يشعر بالهزيمة أمامها
استدار الى الشارع الشرقي وفي نهايته تجمد أمام صوت اخترق آذانه وانغرز في قلبه كرها ... إنه صوت الصغير .... ذلك الصوت الذي كان يسمعه منذ خمس سنين
يــــــــــــانصيب.... يــــــــــــانصيب.... يـــــــانصيب
ودون أن يشعر دسّ يده في جيبه ، وأخرج دينارا وقال : أعطِني واحدة من فضلك